مثما اختير الشاب ” عمرو خالد” من قبل مجلة ” تايم” الأمريكية ضمن الشخصيات المائة الأكثر تأثيراً في العالم للعام الحالي 2007 جاء ايضاً في نفس القائمة الشاب طارق رمضان… أحد أكثر الشخصيات الإسلامية المثيرة للجدل في أوروبا منذ بداية الألفية الثالثة.. ولعل أهم سؤال يثار حالياً حوله يتلخص في: هل هو مجتهد يسعى لإنقاذ المسلمين في أوروبا مما يعانونه من اضطهاد أم أنه أحد أدوات الليبرالية السياسية الغربية لتطبيق مخطط الإسلام الأوروبي ؟!

ولد طارق رمضان ونشأ وتعلم في سويسرا ـ جنيف العاصمة تحديدا ـ لكن سرعان ما ملأت شهرته آفاق أوروبا كلها، ويعد الآن أحد اللاعبين الأساسيين في دائرة الفكر الإسلامي في أوروبا وأميركا. يدعو رمضان إلى اندماج المسلمين في مجتمعاتهم الأوروبية، واستقلالهم ماديا وفكريا عن مسلمي الشرق، وبناء مجتمع إنساني مشترك مع الغرب، قائم على أساس ما يحمله المسلمون من قيم إنسانية عامة، وفي إطار فهم جديد للنصوص في ضوء متغيرات العصر وفي ضوء الواقع الأوروبي.

في كتابه الجديد “على خطى النبي” الذي يتناول سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسعى طارق رمضان إلى إثبات أن الإسلام والديمقراطية الغربية لا يتعارضان، ويدلل على ذلك بدروس من حياة النبي مؤكداً أن الرسول صلى الله عليه وسلم زعيم حكيم عادل مع زوجاته محب لبناته، يدعو لحسن معاملة المرأة والرفق بها ويسمح لهن بالصلاة في المساجد، كما أنه يجري مشاورات قبل اتخاذ قراراته. قال رمضان في كتابه أيضاً أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان متسامحاً تجاه غير المسلمين وعادلاً تجاه أعدائه، كان إيمانه هادئاً، لكنه كان مفكراً ناقداً أيضاً، استخدم العقل لترجمة كلمة الله الى مبادئ أخلاقية عملية.

(مواقف غامضة)

طرح رمضان العديد من الآراء والأفكار التي ما زالت تثير الجدل حتى اليوم ومن ذلك: التوقف عن اعتبار العلمانية نقيضا للإسلام، والمساواة المطلقة بين الجنسين، ومناداته بتعليق حدود الشريعة، وموقفه من الحجاب، واعتباره أن الإسلام يقر الديمقراطية الغربية ويتوافق معها

في كتابه ” على خطى النبي” قال رمضان إن “العربية هي لغة الإسلام، إلا أن الثقافة العربية ليست ثقافة الاسلام. لهذا السبب فقط يمكن أن يصبح الإسلام متوافقاً مع الديمقراطيات الحديثة؟؟! وقال رمضان أيضا إن “الاسلام يعتمد على مجموعة من المبادئ التي يمكن أن تتوافق مع ركائز وقيم المعتقدات والأعراف والتقاليد الدينية الأخرى”.

ويرى محللون أن كتاب “على خطى النبي” يمثل دفاعاً وتبريراً لبعض مواقف رمضان في أكثر المواقف إثارة للجدل. ففي عام 2003 وجهت انتقادات الى رمضان بسبب مناداته بتعليق رجم الزناة، حين أطلق دعوة “لتجميد العمل بحدود الشريعة الإسلامية وهذه الدعوة أو “الإشكالية” التي أطلقها لاقت وستلاقي الكثير من الآراء الرافضة خاصة في أوساط العلماء والفقهاء

وأثير جدل واسع حول دعوته هذه التي يخاطب من خلالها عموم المسلمين على الأرض وليس فقط مسلمي الغرب ـ كما كان الحال في دعوات سابقة ـ ودعا رمضان بصراحة لتعليق فوري لمبدأ العقوبات الجسدية “الحدود”، ولا يمكن أن تُفهم دعوة رمضان هذه إلا أنها على أساس تطويع نصوص القرآن لتتلاءم مع أهواء الغرب ورياح التغيير.

وعارض رمضان القانون الذي سنته فرنسا عام 2004 حول حظر الحجاب في المدارس العامة، إلا أن رأيه هذا كان متعلقا في الأصل بموقفه تجاه الحريات، أي حق الفتيات المسلمات في اختيار ما يردن لتغطية الرأس، كما كان ينصح الفتيات اللائي أجبرن على الاختيار بين التوجه الى فصول الدراسة وارتداء الحجاب بمواصلة الدراسة بحسب ما ذكرته صحيفة الشرق الأوسط في عددها الصادر بتاريخ 2 مايو 2007.

وحول موقفه من الصهاينة وُصف طارق رمضان بأنه معاد للسامية بعد المقال الذي كتبه عام 2003 وانتقد فيه مفكرين يهود فرنسيين، مثل آلين فينكيلكروت، وهنري ليفي، وبيرنارد كوشنر، بسبب تأييدهم لاحتلال العراق وسياسة الكيان الصهيوني الخارجية،.

وقد منع رمضان من المشاركة في ندوة نظمتها “حلقة الطلبة العرب الأوربيين” في جامعة بروكسل الحرة ببلجيكا يوم 22-2-2007 ويرى محللون أن المنع يرتبط ببعض مواقفه التي تعتبر معادية للكيان الصهيوني في نظر اللوبي اليهودي ببلجيكا”.

وسبق منع رمضان في عدد من المدن الفرنسية كان آخرها منعه من إلقاء محاضرة يوم 13-1-2007 في مدينة ستراسبورج، حيث كان يعتزم إلقاء محاضرة بـ”المركز الدولي للقاءات”.

ويتعرض رمضان لحملات متتالية من اللوبي اليهودي بفرنسا، وخاصة المثقفين اليهود المحافظين؛ إذ لا يترك الفيلسوف برنار هنري ليفي فرصة في عموده الأسبوعي بمجلة “لوبوان” الفرنسية دون التهجم عليه كما منعته الولايات المتحدة فى أغسطس الماضى من السفر إليها حيث ألغت تأشيرة دخوله لأراضيها بينما كانت الدراسة على الأبواب ، مما منعه من الوفاء بتعاقده مع جامعة نوتردام التي تعاقد معها على العمل أستاذاً زائراً للدراسات الإسلامية، ويرى البعض أن هذا الإلغاء قد جاء نتيجة لعاصفة إعلامية أثيرت حول أفكاره عن السامية ومعاداتها فى الصحف الفرنسية فى منتصف العام الماضى وقبل انتقاله لأمريكا مباشرة.

مؤلفات أخرى

من المؤلفات التي صدرت حديثاً للكاتب طارق رمضان كتاب “الرسول: معاني حياة محمد”،الذي نشر بلندن واهتم رمضان في سرده لبعض سيرة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بلغة معاصرة جديدة وقادرة علي مخاطبة قارئ مختلف سواء كان مسلما أم غير مسلم اهتم بمنظومة القيم والأخلاق العالية التي يمكن أن نتعلم منها، خاصة قيمة الرحمة، والعطف والحب والإخوة والتعاون، وقيمة إنسانية الإنسان نفسه، فيذكر حرمة قتل النفس والعنف غير المبرر ويدلل على ذلك ببعض المواقف.

ويتوقف الكاتب عند نماذج من تعامل الإسلام مع الآخر فالرسول في هجرته استخدم كافراً من أجل أن يكون دليله ليتجنب ملاحقة كفار قريش، وفي احدي غزواته استخدم أيضاً دليلاً لم يكن مسلما ليدل الجيش ويفاجئ العدو، وحتي عندما جاء زوج ابنة رسول الله من مكة ولم يكن مسلما واحتمي بزوجته فان المسلمين أعطوه الأمان وسمحوا له بالذهاب إلى مكة من أجل سداد حقوق الناس ثم عاد للمدينة مسلما.

قام طارق رمضان بتأليف العديد من الكتب الأخرى مثل “أن تكون مسلماً أوروبياً ” و”مسلمو الغرب ومستقبل الإسلام” و” الإسلام والغرب وتحدي الحداثة” و “المسلمون في فرنسا.. الطريق إلى التعايش ” المسلمون داخل العلمانية” دار التوحيد 1994.و “نحو مسلم أوروبي”1998، و “أصول التجديد الإسلامي، قرن من الإصلاح الإسلامي”1998 ، “العيش مع الإسلام: لقاءات مع جاك نيرينك” 1999 و ” وكتاب ‏(‏ الإسلام في أسئلة‏)‏ بالاشتراك مع المفكر السويسري آلان جريش 2000.

مسويسري المولد وفرنسي التعليم

ولد طارق سعيد رمضان في سويسرا في السادس والعشرين من أغسطس عام 1962 وهو نجل الدكتور سعيد رمضان القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين الذي فر من مصر وتنقل في عدة دول حتى استقر في سويسرا إلى أن توفي عام 1995.. ووالدة الدكتور طارق هى إحدى بنات الإمام حسن البنا زعيم ومؤسس جماعة الإخوان.

تكونت لطارق رمضان بيئة إسلامية مواتية لتنشئته داخل البيت وخارجه ولقد كان لصورة الجد الكاريزمية التي كانت حاضرة في منزله تأثير مباشر في الأبوين، ومن ثم في طارق وإخوته بشكل غير مباشر. عبر طارق رمضان عن ذلك قائلاً: “لقد عشت كل طفولتي تلازمني صورة جدي (الإمام حسن البنا)، وجميع من قابلتهم كانوا يحدثونني عنه باحترام.. وغالبا ما كان يقال لي: إن هذا الرجل كان خارقا للعادة تماما، وكان فكره حاضرا يوميا في المنزل، كما أن والدتي قد حملت بشكل بالغ العمق هذا التراث: لقد كانت أكبر أبناء حسن البنا، لكنها علاوة على ذلك كانت حتى الخامسة عشرة والنصف من عمرها جد قريبة منه، وكانت بالغة التأثر بإشعاعه الروحي، ومن خلالها تسنى لي الاقتراب من الخصال الخاصة لجدي كإنسان وكأب

تلقى رمضان تعليمه الأول في مدارس جنيف الفرنسية، وجامعتها حتى حصل على الماجستير والدكتوراة في الفلسفة والأدب الفرنسي، وخلال مراحل دراساته العليا بدأ العمل في تدريس الأدب الفرنسي بمدارس جنيف لعدة سنوات. وخلال تلك الفترة عمل عميدا لمؤسسة ثانوية عليا وهو في الخامسة والعشرين من عمره؛ ولأنه كان ذا اهتمام خاص بالدراسات الإسلامية فقد سافر عام 1992 إلى مصر لمتابعة دراساته الإسلامية لمدة عام. وإضافة للدراسة الأكاديمية والترقي فيها انخرط طارق رمضان خلال تلك الفترة من حياته في النشاط الاجتماعي الإنساني. فقد كان آنذاك مشتركا في نشاط أكثر من رابطة، وكان له اهتمام خاص بقضايا العالم الثالث، وهو ما ترجمه في الثمانينيات بإنشاء رابطة مدرسية تعليمية للتضامن ضد التهميش والاستبعاد في مجتمع جنيف، وكذلك في بلدان العالم الثالث.

وقد قامت الرابطة بتنظيم رحلات وإعداد مشاريع إنسانية، ومن خلال الرابطة أتيح له العمل مع العديد من الروابط وجمعيات التضامن الأخرى، كجمعية “quart-monde” وجمعية أطباء بلا حدود، وجمعية أرض البشر. وسافر في إطار تلك الرحلات والمشاريع إلى أمريكا الجنوبية للعمل مع جمعية القساوسة الشغيلة، كما سافر للعمل الإنساني في كل من أفريقيا والهند

ويقول رمضان عن تلك الفترة من حياته: “لقد دخلت هذا العالم حاملا معي ماضيًا، ومن المؤكد أن كل خطابي الحالي كأوروبي مسلم الديانة مبني على التراث والمرجعيات الإسلامية، لكنه مرتبط أيضا بتلك السنوات العشر التي عاشرت فيها واقع الكاثوليكية والبروتستانتية الملتزمتين وواقع حركة الكفاح الإنساني”.

ولا شك أن طارق رمضان سيظل يثير الجدل حول موقفه من العديد من الثوابت الإسلامية التي يريد تطويعها بزعم الاستجابة لمتطلبات العصر، ويخشى العديدون من أن يكون رمضان من أنصار الإسلام الأوروبي أو الأميركي، وهو مخطط يستهدف محو الهوية الإسلامية والذوبان في ثقافات المجتمعات الغربية.

المؤلف: بقلم: محمد يوسف
المصدر: وكالة الأخبار الإسلامية (نبأ)