بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..

 

بداية أسأل الله تعالى أن يقبل توبتك وأن يثبت قلبك على طاعته.

أما سؤالك أو قلقك من مسألة قبول الطاعة أو عدم قبولها فهو سؤال مقبول ومشروع، ويؤكد هذه الحقيقة الإمام على –رضي الله عنه- فيقول: (لا تهتموا لقلة العمل واهتموا للقبول، ألم تسمعوا قول الله تعالى “إنما يتقبل الله من المتقين”).

فحق للمسلم أن يقف مع نفسه وقفة بعد عمل طاعة يراجع نفسه هل استجمع أسباب قبول العمل فيحمد الله، أم وقع منه تقصير فيستغفر الله.

والتوفيق للطاعة نعمة كبرى تستوجب شكرا، ولكن تمام هذه النعمة أن تستجمع أسباب القبول، فيتفضل الله تعالى عليك بالقبول.

علامات قبول الطاعة

 

هناك علامات كثيرة يمكن من خلالها أن يعرف العبد أنه أرجى للقبول عند الله تعالى ومن أهمها:

1-     إخلاص العمل لله:

لا بد أن يستجمع المرء قبله قبل العمل ويسأل نفسه ماذا يبتغي من وراء عمله، صلاته، وصيامه، وصدقته، و…..؟ هل الباعث على العمل ابتغاء مرضات الله والخوف من سخطه وعذابه؟ أم للنفس حظوظ أخرى من حظوظ الدنيا؟ أم يقدم على العمل ولا نية له، بحيث تتحول طاعته إلى عادة فيؤديها جوفاء لا روح فيها!

فإخلاص العمل لله تعالى هو أول وأهم أسباب القبول، فإذا لم تكن النية خالصة لله فالعمل مردود على صاحبه، فالله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه ففي الحديث القدسي ” أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه” رواه مسلم.

الإخلاص أمره خطير، ولذلك قال أحد سلفنا الصالح ، سهل بن عبد الله التستري: “ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب”.

وقال ابن أبي مليكة -من التابعين-: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كلهم يخاف النفاق على نفسه.

2-     استصغار العمل وعدم العجب به:

فاستصغار العمل وعدم العجب به هو ثمرة من ثمرات الإخلاص، ولن يتحقق ذلك إلا إذا عرف العبد قدر ربه، واستحضر نعمه عليه التي لا تعد ولا تحصى، فمهما قدم العبد من طاعات فإنه لا يكافئ نعمه.

قال الإمام ابن القيم في مدارج السالكين: «كلما شهدت حقيقة الربوبية وحقيقة العبودية، وعرفت الله، وعرفت النفس، وتبيَّن لك أنَّ ما معك من البضاعة لا يصلح للملك الحق، ولو جئت بعمل الثقلين؛ خشيت عاقبته، وإنما يقبله بكرمه وجوده وتفضله، ويثيبك عليه أيضاً بكرمه وجوده وتفضله”.

3-     الخوف من عدم القبول:

فالخوف من عدم قبول الطاعة هو دأب الصالحين، فالمؤمن بعد فراغه من الطاعة يكون في وجل خوفا أن يرد الله تعالى عليه عمله.

عن أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- قالت: سألت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) قالت عائشة: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: «لاَ يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لاَ يُقْبَلَ مِنْهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ» رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني.

فحالة المؤمن بعد الطاعة أنه لا يركن إلى طاعته، ولكن يمتلئ قلبه وجلا ألا يقبله الله، ويرفع أكف الضراعة إلى الله يسأله القبول.

4- الثبات على الطاعة:

كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم المداومة على الأعمال الصالحة، فعن عائشة- رضي الله عنها – قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته) رواه مسلم.

وفي الحديث المتفق عليه “أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل”.

5- التوفيق لطاعة بعد الطاعة:

فمن علامات قبول العمل الصالح أن تخرج من طاعة إلى طاعة، وهذا هو معنى الاستقامة الذي أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذي جاء يسأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم- عن جوامع الخير، قال: “يا رسول الله، قل لي قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك ، قال: «قل: آمنت بالله، ثم استقم» رواه أحمد والنسائي وابن حبان في صحيحه، والحديث صححه الألباني.

العمل الصالح شجرة طيبة تحتاج إلى رعاية وسقاية، حتى تؤتي ثمارها، وسقيها ورعايتها أن نتعاهد أعمالنا الصالحة ونزيد عليها شيئا فشيئا، وكما قال الحسن البصري: “يا ابن آدم إن لم تكن في زيادة فأنت في نقصان”.

 

6-    حب الطاعة وأهلها، وبغض المعاصي وأهلها:

فمن علامات قبول العمل الصالح أن يحبب الله الطاعة إلى قلبك وأن يبغض إليك المعصية، “وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ”.

ومن علامات القبول أيضا أن يحب العبد أهل الطاعة ويبغض أهل المعصية، ففي الحديث قال صلى الله عليه وسلم “أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض فيه” رواه أحمد، والبيهقي، وحسنه الألباني.

ومن جميل حكم ابن عطاء الله السكندري: “إذا أردت أن تعرف عند الله مقامك، فانظر أين أقامك”.

ختاما: ينبغي على المسلم أن يتأدب بأدب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من فعل الطاعة وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يتبع الطاعة بالاستغفار، وذلك لأن المؤمن مهما بلغ وسعه وحرصه على الكمال فإنه عرضة للنقص والتقصير، فالاستغفار يجبر هذا النقص وهذا التقصير، ولذلك أمرنا الله به بعد الفراغ من شعيرة من أعظم شعائر الإسلام، وهو فريضة الحج فقال سبحانه:  “ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” (البقرة: 199).

وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستغفر الله تعالى ثلاثا دبر كل صلاة، ومن صفات المحسنين أنهم يحيون ليلهم بالقيام، وختام ذكرهم وابتهالهم هو الاستغفار “وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ” (الذاريات: 18).

نسأل الله تعالى أن يجعل أعمالنا صالحة ولوجهه خالصة وأن يمن علينا بالقبول.. آمين.