هدف السورة: الإسلام سعادة لا شقاء

سورة طه مكية أيضاً ومحور السورة يتمثل في الآية الأولى من السورة (طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) آية 1 و 2 وكأنما سبحانه يريد أن يطمئن رسوله وأمته من بعده أن هذا المنهج لم يأت حتى يشقى الناس به إنما هو منهج يضمن السعادة لمن تبعه وطبّقه وإنما هو تذكرة وهوسبب السعادة في الدنيا والآخرة فلا يعقل أن يكون المؤمن شقياً كئيباً مغتمّاً قانطاً من رحمة الله مهما واجهته من مصاعب ومحن في حياته وخلال تطبيقه لهذا المنهج الربّاني فلا بد أن يجد السعادة الأبدية بتطبيقه. وهذا هو هدف سورة طه. وهذا المنهج الذي أنزله الله تعالى لنا إنما جاء من عند (الرحمن) فكيف يعقل أن يكون فيه شقاؤنا. وكلنا يعلم معنى كلمة الرحمن. وقد تكررت في السورة كثيراً فهو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما يرحم خلقه أجمعين. وهذه الآية تؤكد وجود مصاعب في الحياة ومحن وتذكر لنا قصة موسى عليه السلام وتعرض لنا ما واجهه لكن دائماً تأتي الآيات فيها رحمة الله تعالى بين آيات الصعوبات والمحن (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) آية 39 آية فالمؤمن والقائم على منهج الله تعالى في سعادة ولو كان في وسط المحن فالسعادة والشقاء مصدرها القلب وقد يعتقد البعض أن من سيلتزم بهذا المنهج والدين سيكون شقياً لا يخرج من بيته ولا يضحك ولا يخالط الناس وهذا هو السائد في أيامنا هذه وقد يكون هذا السبب الوحيد الذي يمنع الكثير من المسلمين من تطبيق المنهج لأن عندهم فكرة مغلوطة عن حقيقة السعادة والشقاء في تطبيق منهج الله.

سيدنا موسى عليه السلام عرف هذا المعنى فكان دائماً يدعو ربه ليشرح له صدره مهما كانت الصعوبات التي سيواجهها (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) آية 25، حتى سحرة فرعون لمّا آمنوا بالله ورغم أنهم تعرضوا للأذى من فرعون إلا أنهم علموا أنهم سيحصلون على السعادة الحقيقية بتطبيق المنهج في الدنيا والآخرة (قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) آية 72 و(وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى) آية 75 مع أن الموقف كان شديداً في مواجهة فرعون لكنهم أحسوا بالسعادة التي تغمرهم باتباع الدين. أما فرعون فكان في شقاء حياً وميتاً وعندما تقوم الساعة أدخوا آل فرعون أشد العذاب. إذن موسى والسحرة كانوا سعداء وفرعون هو الشقي وذلك لأنهم استشعروا السعادة في قربهم من الله تعالى وتطبيق منهجه الذي فرضه.

التعقيب على القصة: (مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا ) آية 100 و101: تعلّق الآيات على مفهوم السعادة وتعطي نموذج لمن لا يطبق منهج الله تعالى كيف سيكون في شقاء (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا * وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا ) آية 111-112

قصة آدم وحواء : السعادة في المنهج: تعرض الآيات نموذج آدم عليه السلام وكيف أن السعادة الحقيقية هي في طاعة الله تعالى فلا شقاء (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى) آية 117.

الشقاء بترك المنهج: (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) الآيات 123 إلى (قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) آية 126. ونلاحظ تكرار كلمة يشقى في السورة كثيراً. فالله تعالى يقول أن (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) وهذا كلام الله أفلا نصدقه؟ يجب أن نصدقه لأنه القول الحق وأنه من يَعرض عن ذكر ربه سيكون شقياً في الدنيا والآخرة. فعلينا أن نتبع هدى الله تعالى لنحظى بسعادة الدارين فالمؤمن في سعادة في الدنيا وسعادة في الآخرة.

التعقيب الأخير: رضى الله تعالى هو أعلى درجات السعادة التي علينا أن ندركهها (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى) آية 130.

سميّت السورة (سورة طه) وهو اسم من أسماء المصطفى الشريفة تطييباً لقلبه وتسلية لفؤاده عما يلقاه من صدود وعناد ولهذا ابتدأت السورة بملاطفته بالنداء (طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) آية 1 و 2.