بطبيعتي لا أحب التطرف! لا في أمر بعينه، و لا في جميع الأمور !
و لكن هناك أكثر من كلمة ينبغي أن تقال في هذا الشأن !
الكلمة الأولى أنه قد يقع بالفعل تطرف من بعض الشباب، أو بعض الجماعات القائمة بالعمل في الساحة الإسلامية.. و لكن حجمه أقل بكثير جداً مما يهول المهولون الذين يرمون الساحة كلها بالتطرف لأمر يراد !
إن الذين يهولون في تصوير التطرف، للتنفير أو التحريض أو الإثارة، يصمون بالتطرف كل شاب أطلق لحيته، أو كل فتاة تحجبت، او كل مطالب طالب بتحكيم شريعة الله.
و قد يكون من بين كل ألف شاب أطلق لحيته، أو بين كل ألف فتاة تحجبت، أو بين كل ألف مطالب بتحكيم شريعة الله واحد متطرف أو واحدة متطرفة.. و لكن وصم الألف كلهم بالتطرف أمر مقصود لإيجاد حائل من النفور بين الحركات الإسلامية كلها وبين ((الجماهير))، لعل ذلك يوقف المد الإسلامي المتدفق، و يعوق الحركة الإسلامية كلها عن المسير! و كذلك لضرب الحركات الإسلامية كلها بتهمة التطرف، إذا عجز الطغاة عن تدبير تهمة أخرى تبرر في نظر الناس ضرب المسلمين الداعين إلى تطبيق شريعة الله.
فلينظر كل كاتب إسلامي يكتب ضد التطرف أين تنتهي كلماته، و كيف تستغل لمحاربة الحركة الإسلامية كلها، حتى أشد ((المتساهلين)) فيها !
يقول الله في كتابه الحكيم: { و لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم } سورة الأنعام، الآية 108.
فنهى سبحانه عن سب الآلهة التي تعبد من دون الله، مع أنها كلها باطل لا ذرة فيها من الحق، إذا كان سبها يؤدي إلى إستعداء أعداء الله على مقدسات الإسلام.
فكيف نعين بأقلامنا أهل الباطل لمجرد أننا نكره التطرف، أو لننفي عن أنفسنا تهمة التطرف، فنعطيهم سلاحاً يستخدمونه ضدنا كلنا في النهاية، كما تقول الحكمة القديمة: أكلت يوم أكل الثور الأبيض!
و الكلمة الثانية أن الذين يحاربون ما يسمونه تطرفاً بحجة أنه تطرف !
و أنه ينبغي الرجوع إلى القصد و الإعتدال!
لا يحاربونه في الحقيقة لهذا السبب!
و لا يقصدون رده إلى الإعتدال الحقيقي بميزان الله الحق!
إنما يحاربونه لأنه يشجع الشباب الإصرار في مطالبة الحكام بتحكيم شريعة الله، و عدم قبول أي حل إلا تحكيم شريعة الله! و هذا هو الذي لا يريدونه و لا يقبلونه! فالمحارب حقيقة هو الإسلام ذاته و ليس هو التطرف! و الممنوع في الحقيقة هو المطالبة بتحويل الإسلام إلى واقع في حياة الناس، لأن المطلوب هو إبقائه هكذا ! إسلام بلا إسلام !
و مهما تخفى الذين يحاربون الإسلام وراء ستار محاربة التطرف فستظل الحقيقة واضحة من وراء كل ستار: أن الذي يحارب حقيقة هو الإسلام، و أن الذين يراد إبادتهم أو نفيهم من الأرض هم المسلمون، قال الله تعالى : { و ما كان جواب قومه إلا أن قالوا: أخرجوهم من قريتكم، إنهم أناس يتطهرون} سورة الأعراف،الآية 82.
و الكلمة الأخيرة أن الذي أوجد التطرف في الحقيقة و ما زال يغذيه، هو الحكومات التي لا تحكم بما أنزل الله، ثم تقوم بتذبيح المسلمين و تقتيلهم حين يطالبون بتحكيم شريعة الله.
و إلا.. فلو أن هذه الحكومات حكمت بما أنزل الله كما أوجب الله عليها، فمن أين كان ينشأ التطرف؟
و لو كانت هذه الحكومات-على أقل تقدير-و هي لا تحكم بما أنزل الله-تعامل المطالبين بتحكيم شريعة الله- و هو واجب على كل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله- كما تعامل ((المجرمين)) العاديين، فتتيح لهم فرصة الدفاع عن أنفسهم، و لا تستخدم الوسائل الإجرامية في إكراههم على ((الإعتراف)) بما فعلوا و ما لم يفعلوا، و حكمت عليهم بمقتضى القوانين العادية رغم جورها و عدم شرعيتها.. لو فعلت ذلك-على أقل تقدير-فمن أين كان ينشأ التطرف؟!
يجب أن يستقر في أذهاننا بوضوح أن المتسبب الأول، و المتسبب الأكبر في نشر التطرف و تغذيته هو الحكومات التي لا تحكم بما أنزل الله، و تقوم بتعذيب المطالبين بتحكيم شريعة الله تعذيباً وحشياً لا مثيل له في التاريخ. و أن هذه الحكومات ترتكب ثلاث جرائم في وقت واحد: الإعراض عن أمر الله القاضي بتحكيم شريعته دون سواها. و القيام بجرائم القتل و التعذيب الجماعي التي لا تقرها حتى شريعة الغاب. و تغذية روح التطرف بين الشباب كرد فعل للجريمتين الأوليين.
كما يجب أن يستقر في أذهاننا بوضوح كذلك أنه لا يمكن القضاء على التطرف إلا بإزالة أسبابه الحقيقية الدافعة إليه. أي باستجابة الحكام لأمر الله لهم أن يحكموا بما أنزل الله، أو-في أقل القليل- الكف عن المعاملة الوحشية التي يعاملون بها الذين يطالبون بتحكيم شريعة الله.. و أن كل مذبحة تقام للمسلمين في الأرض هي وقود جديد للتطرف، يمتد إلى ما شاء الله.
فلينظر الذين يشكون حقيقة من التطرف، و يرغبون حقيقة في علاجه، أي طريق يسلكون !
كتبها الأستاذ محمد قطب