ملخــص المحاضــرة


إن أنبياء الله أخوة جاءوا جميعاً بدين واحد، فالأنبياء من لدن سيدنا آدم وحتى خاتم الأنبياء الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، قد أُرسلوا جميعاً بدين الإسلام، فالدين عند الله الإسلام، تكلمت المحاضرة عن عقيدة النصارى التي تقول: بأن الله ثالث ثلاثة وأن المسيح هو ابن الله، ودين الإسلام – الذي أُرسل به كل الأنبياء – براء من هذا المعتقد الذي حكم عليه الله في محكم آياته بالكفر البَيَّن، فالموحدون هم أولى الناس بنبي الله عيسى لأنهم يؤمنون أنه عبد الله ورسوله، وكلمة ألقاها إلى مريم، ويؤمنون كذلك بكل الأنبياء ولا يكفرون بأحد منهم، أما من آمن بعيسى وكفر بمحمد فقد كفر بعيسى قبل أن يكفر بمحمد.

تُختتم المحاضرة بأن السبيل الوحيد إلى جنة المولى عز وجل هي توحيده جل في علاه وعدم الإشراك به شيئاً.

المـحاضـــرة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمد رسول الله عبده ورسوله وصفيه من خلفه وخليله، أدي الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى آتاه اليقين.

فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته وصلي اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد:

فحياكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء وأيها الأخوة الأحباب الأعزاء وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلا، وشكر الله لكم هذا الحرص، وإن كنا والله لسنا أهلاً له.

نعوذ بالله من خشوع النفاق، فنسأل الله تبارك وتعالى الذي جمعنا وإياكم في هذا الجمع المبارك على طاعته، أن يجمعنا وإياكم في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار كرامته، أنه ولي ذلك والقادر عليه.

أحبتي في الله، نحن أولى بعيسى منهم، هذا هو عنوان محاضراتنا مع حضراتكم في هذه الليلة الكريمة المباركة وكعادتنا فسوف ينتظم حديثنا الليلة مع حضراتكم تحت هذا العنوان في العناصر التالية:

أولاً: الأنبياء أخوة.
ثانياً: إن الدين عند الله الإسلام.
ثالثاً: مجمل معتقد النصارى.
رابعاً وأخيراً: السبيل الوحيد إلى جنة الله جل وعلا.

فأعرني قلبك وسمعك فإن هذا الموضوع الآن من الأهمية بمكان.

أولاً: الأنبياء أخوة:

أيها الأحبة الكرام، يشهد العالم النصراني بل والعالم الإسلامي الهزيل المهزوم، يشهدان في هذه الأيام إحتفالات ضخمة، ضخمة بميلاد المسيح على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأزكي السلام، في الوقت الذي سب فيه النصارى رب العزة جل وعلا مسبةَ عظيمة وقالوا قولاً شنيعاً منكراً: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا (٩١) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم:90-93].

تذكر وقوفك يوم العرض عريانا ***مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا
والنار تلهب من غيظ ومن حنق *** على العصاة ورب العرش غضباناً
إقرأ كتابك يا عبد على مهل *** فهل ترى فيه حرفا غير ما كانَ
فلما قرأت ولم تنكر قراءته *** وأقررت إقرار من عرف الأشياء عرفانا
نادى الجليل خذوه يا ملائكتي *** وأمضوا بعبد عصى للنار عطشانا
المشركون غدا في النار يلتهبوا *** والموحدون بدار الخلد سكانا

{إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا (٩٣) لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم:93-95]. فإن من يزعمون أن عيسى ابن الله وأن الله هو المسيح ابن مريم وأن الله ثالث ثلاثة هم أبعد الناس عن عيسى وأكفر الناس بعيسى وإن أولى الناس بعيسى هم الموحدون وعلى رأس الموحدون قدوة المحققين، وإمام الموحدين وسيد النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، الذي قال: «أنا أولى الناس بعيسى بن مريم، في الأولى والآخرة»، قالوا: “كيف يا رسول الله؟”، قال: «الأنبياء إخوة من علات، وأمهاتهم شتى، ودينهم واحد، فليس بيننا نبي» [رواه مسلم]، أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الأولى والآخرة (أي في الدنيا والآخرة). قالوا: “كيف يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟”، قال: «الأنبياء أخوة من علات أمهاتهم شتى ودينهم واحد»، فالأنبياء يا أخوة أخوة، دينهم واحد ولذا من كفر بنبي واحد من الأنبياء والمرسلين فإنما كفر بجميع إخوانه من النبيين والمرسلين، إن آمنت بعيسى وكفرت بمحمد فقد كفرت بعيسى قبل محمد صلى الله عليهما وعلى جميع إخوانهما من النبيين، إن آمنت بمحمد وكفرت بعيسى فقد كفرت بمحمد قبل كفرك بعيسى، من كفر بنبي واحد – انظر إلى الإنصاف أنظر إلى العدل الذي عليه الدين – أقول من كفر بنبي الله عيسى فقد كفر بأخيه الحبيب المصطفى محمد، ومن كفر بالحبيب محمد وآمن بعيسى فقد كفر بعيسى قبل أن يكفر بالحبيب محمد.

تدبر معي القرآن، ما أرسل الله إلى قوم نوح إلا نوحاً عليه السلام فلما كذب قوم نوح نوحا عليه السلام وحده ماذا قال الله؟ قال جل وعلا: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 105] ما كذب قوم نوح إلا نوحا ما أرسل الله إلى قوم نوح إلا نوحا، فتدبر أن الله عز وجل قال لما كذب قوم نوح نوحا وحده قال: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ}،وما كذب قوم لوط إلا لوطا عليه السلام، وبالرغم من ذلك قال الله عز وجل: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ} [سورة الشعراء:160]، وما كذب قوم عاد إلا هود عليه السلام، وبالرغم من ذلك قال الله عز وجل {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 160].

وما كذب قوم عاد إلا هود عليه السلام، وبالرغم من ذلك قال الله عز وجل{كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 123]، وما كذب قوم ثمود إلا صالحاَ عليه السلام، وبالرغم من ذلك قال الله عز وجل {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 141]، فمن كذب بنبي فقد كذب بجميع إخوانه من النبيين والمرسلين، بل لقد علَّم الله الموحدين هذه الحقيقة فأقروا بها وأذعنوا لها وآمنوا بها فزكى الله إقرار الموحدين في قرآنه إلى يوم القيامة وسجل الله عز وجل في قرآنه هذا الإقرار في آخر سورة البقرة فقال جل في علاه: {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } [البقرة: 285] فالأنبياء أخوة، أخوة من عَلات أي من أمهات شتى إلا أن دينهم واحد، فالأنبياء موكب يتراءى على تاريخ البشري الطويل، موكب مهيب جليل كريم يحمل رسالة واحدة ويحمل منهجاً واحداً ويحمل ديناً واحداً، فليس عند الله يا أخوة ليست عند الله ديانة تسمى باليهودية أو بالنصرانية أو بالمسيحية أو بالموسوية أو بالإبراهيمية، ولكن الدين عند الله جل وعلا من لدن آدم إلى الحبيب المصطفى هو الإسلام قال جل وعلا: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَام} [آل عمران: 19] وهذا هو العنصر الثاني من عناصر هذه المحاضرة.

ثانياً: إن الدين عند الله الإسلام

دين آدم الإسلام؟ نعم، – دين نوح – الإسلام؟، نعم – دين إبراهيم – الإسلام؟، نعم – دين عيسى – الإسلام؟ نعم، – إن الدين عند الله الإسلام، ما جاء نوح أيها الخيار إلا بالإسلام، تدبر معي هذا العنصر الهام في هذه الآونة بالذات لتسجد لربك شكراً أن اختارك موحداً وأرسل إليك محمداً.

وممــا زادنـــي فخــرا وتيـــها *** وكدت بأخمصي أطأ الثريــا
دخولي تحت قولك يا عبادي *** وأن أرسلت أحمد لي نبيا

ما جاء نوح إلا بالإسلام وقد قال الله جل وعلا – وذلك حكاية عنه في سورة يونس – قال الله حكاية عن النوح، {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 72]، وما جاء إبراهيم إلا بالإسلام قال الله حكاية عنه في سورة البقرة: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:127-128]، وبعدها قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون} [البقرة: 130-132].

وجاء يعقوب بالإسلام قال الله حكاية عنه في سورة البقرة {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة:133]، بل وما جاء لوط إلا بالإسلام قال الله عز وجل حكاية عنه في سورة الذاريات {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِين} [الذاريات: 31-36]، وهو بيت لوط، بل وما جاء يوسف إلا بالإسلام قال الله عز وجل حكاية عنه في سورته {رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101]، بل وما جاء سليمان إلا بالإسلام قال الله حكاية عن ملكة سبأ في سورة النمل {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 29-31]، بل وما دخلت بلقيس يوم أن شرح الله صدرها إلا في الإسلام قال: {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 44].

بل وما جاء موسى إلا بالإسلام قال الله عز وجل حكاية عنه في سورة يونس {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} [يونس: 84]، بل وما دخل السحرة يوم أن شرح الله صدورهم إلا في الإسلام وتضرعوا ساعتها إلى الله بهذا الدعاء تحت التهديد الفرعوني فقالوا: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} [الاعراف: 126]، بل وما جاء عيسى إلا بالإسلام قال تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 52].

الله أكبر… حتى عيسى دينه الإسلام؟ نعم {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} [آل عمران: 51]، فما من نبي بعثه الله إلا وله حواريون وأنصار، قال الحواريون نحن أنصار الله أمنا بالله واشهد يا عيسى بأنا مسلمون، وجاء لبنة تمامهم ومسك ختامهم وسيدهم وإمامهم محمد صلى الله عليه وسلم بالإسلام، وخاطبه ربه جل وعلا بقوله {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، الله أكبر… بل إن الإسلام هو دين مؤمني الجن، من آمن من الجن فدينه الإسلام {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن: 14-15] {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19].

ارفع رأسك أيها الموحد، يا من منَّ الله عليك بالإسلام، والله يا أخوة، والله لا تعرفون فضل هذه النعمة إلا إذا ذهبتم إلى بلاد الكفر ورأيتهم من مَنَّ الله عليهم بكل ما يشتهيه أي إنسان على ظهر الأرض عرف كل شيء في الكون فجر الذرة وصنع الصاروخ وصنع الطائرة ومركبة الفضاء حول العالم كله إلى قرية صغيرة عن طريق هذه التقنية المذهلة في عالم الاتصالات والمواصلات، عرف كل هذا في الكون ولم يعرف خالقه جل وعلا، الله أكبر، عرف كل شيء إلا الخالق! وإن سألت الآن رجل بسيط من آبائنا البسطاء من ربك؟ الله… ما دينك؟ الإسلام… من نبيك؟ محمد صلى الله عليه وسلم وأؤمن به وبجميع إخوانه من النبيين والمرسلين، هل تؤمن بعيسى؟ نعم، هل اتهمت مريم؟ لا وحاش لله، هل قلت فيها قولا شنيعا كقول اليهود؟ لا والعياذُ بالله، بل وقالها قسيس منصف محترم لعقله قبل أن يكون منصف للحق قال حينما سأله أحد المناضلين المسلمين بالله عليك لو أردت أن تقرأ على ابنتك التي تريد أن تربيها على العفة والحياء، لو أردت أن تقرأ عليها قصة حمل مريم بعيسى، فمن أي الكتب تستطيع أن تقرأها؟ قال هذا القسيس المنصف قائلاً: والله لقد فعلت ذلك وما قرأتها عليها إلا من القرآن الكريم (الله أكبر، الله أكبر)، من كتاب محمد كتاب الطهر والعفة والشرف، من القرآن الذي عرض القصة بمنتهى الجلال، ولذلك قلت قبل ذلك أتمنى أن لو دَرَسَ كُتَّاب القصة الواقعية في هذه الأيام التي يعزفون فيها على وتر الجنس والجريمة، أتمنى لو درسوا منهج القصة في كتاب الله ليتعلموا الطهر والشرف والعفة والمروءة، فإن الأمة قد ملت هذا العزف النجس القذر وآن لها أن تتربى على كل كريم وكل شريف من الأخلاق.

دين الأنبياء جميعاً هو الإسلام، ما من نبي على ظهر هذه الأرض إلا وبُعث بهذا الإسلام، أي بهذا الاستسلام والإذعان والانقياد لله جل وعلا خطاب من الله لخاتم الرسل {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الانبياء: 25].

أيها الأحبة اعرفوا فضل الله عز وجل، فلقد ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل مولود يولد على الفطرة -على فطرة التوحيد- فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» [صحيح البخاري]، هذا ينشأ في بيت يهودي، فينشأ يهودي يقول عُزَيْرٌ ابن الله، هذا ينشأ في بيت نصراني فينشأ نصرانياً يقول المسيح بن الله، وهذا ينشأ في بيت مجوسي فيعبد النار من دون الله. أما أنا وأما أنت فقد نشأنا في بيوت توحد الله فوحدنا الله جل وعلا دون رغبة منا ولا اختيار فالفضل ابتداءً وانتهاءً لمن؟… لله عز وجل {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17].

فاللهم كما اخترتنا موحدين فثبتنا على التوحيد وتوفنا على التوحيد واحشرنا في زمرة الموحدين تحت لواء قدوة المحققين وسيد المرسلين برحمتك يا أرحم الرحمين.

ثالثا: مجمل معتقد النصارى

وأنا أبين هذا من منطلق أن القرآن بَيَّن لنا هذا المعتقد، لذا أقول منذ البداية هذا قرآننا وهذه مساجدنا وهؤلاء هم الموحدون، واجب على أهل العلم أن يفسروا وأن يبينوا القرآن للموحدين في بيوت الله، ألا إن بيوت الله في الأرض المساجد، هذه مقدمة لابد منها حتى لا نُتَهم بشيء، قرآن ربنا في بيوت ربنا لإخواننا من الموحدين، نسأل الله أن يتوفانا على التوحيد آمين.

لقد بَيَّن الله مجمل معتقد النصارى في عيسى في آيات واضحة محددة، قال الله عز وجل {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 72]. هذا قرآن ربنا جل وعلا تدبر الآيات، {وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72]،{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المائدة: 73-75]. لقد حسم الله بالكفر الصريح البين على من قال إن الله هو المسيح، وعلى من قال إن الله ثالث ثلاثة، وهذا اعتقاد طوائف النصارى المَلكِية واليعقوبية والنسطورية والمريمية أوالمريمانية، هذا معتقدهم في عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، يقولون ليس المسيح عندنا بنبي ولا بعبد صالح، الله أكبر! ليس المسيح عندنا بنبي ولا بعبد صالحّ..!!، إذًا ما هو؟ قالوا: بل هو رب الأنبياء وخالق الأنبياء وباعث الأنبياء ومرسل الأنبياء ومؤيد الأنبياء وناصر الأنبياء وهو رب الملائكة..!!، بل إذا أراد القسيس أن يُغَطسَ واحد منهم وأن يدخله النصرانية يقول له أمام حوض مملوء بالماء وسط الكنيسة يقول له: يجب أن تعتقد أنه لن تدخل الجنة إلا إذا تغطست ويجب أن تعتقد أن عيسى ابن الله وأنه قد التحم ببطن مريم وصُلب وقتل ودُفن وقام حياً بعد ثلاثة أيام، ثم صعد إلى السماء فجلس عن يمين الرب أبيه وهو منتظر ليوم الخلاص ليقضي يوم القيامة بين خلقه، ثم يلتفت ويقول: أتعتقد في هذا؟ أتؤمن بهذا كله؟ فيقول: نعم (المُتَنَصِّر) فيقول له بعدما يسكب على رأسه قليل من ماء هذا الحوض يقول له : وأنا أغطسك باسم الآب والابن والروح القدس ..!!، يعتقدون أن عيسى صار لاهوتاً وناسوتا في آن واحد، ما معنى هذا؟ صار لاهوتا من جوهر أبيه، تعالى الله عما يقولون، وصار ناسوتا من جوهر أمه، تعالى الله عما يقولون ..!!، بل إن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، ذكر الله حكايته في كثير من سور القرآن رد ابتداء بداية على من استشكل على عقولهم أن يصدقوا هذا كيف يخلق بدون أب؟ فقال الله عز وجل {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ}[آل عمران: 59]، وأنا أسألكم أيهما أبلغ في الإعجاز من خُلق من دون أم وأب أم من خُلق من أم دون أب؟ من خُلق من دون أم وأب، إذ أن أصل التكوين للجنين في المرأة في الرحم أما آدم خلقه الله عز وجل يوم أن خلقه من غير أم وأب ولذلك {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ} [مريم:16-21]، يا سلام! قال ربك، والآية تقول {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82].

{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 59]، حملت مريم بقدرة الملك، ليبين الله عز وجل لخلقه طلاقة القدرة وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فلقد خلق الله الخلق على أربع أصناف، خلق الله آدم من غير أب ومن غير أم، وخلق الله حواء من آدم من أب دون أم، وخلق الله عيسى من أم دون أب، وخلق الله سائر الخلق من أم ومن أب، ليعلم الخلق أن الله على كل شيء قدير.

يا مريم ما هذا؟ والكلام ليوسف النجار الذي اُتهم بالزنا مع مريم من قِبَل اليهود عليهم لعائن الله. نظر يوسف النجار إلى بطن مريم فوجد بوادر الحمل تظهر عليها يوماً بعد يوم، وهي البتول العذراء التي وهبتها أمها “حِنة بنت فاقود” لخدمة بيت الله عز وجل قالت: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [آل عمران: 35]، ولما استجاب الله عز وجل ووضعت مريم قالت: {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} [آل عمران: 36] ، فما من أنثى على ظهر الأرض تحمل إلا بعلمه: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران: 36]، أي في خدمة البيت، ولما وهبتها إلى الله {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37]، ولك أن تعلم أن الذي تكفل بمريم ورباها على عينه نبي من أنبياء الله زكريا {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [مريم: 37].

هذه هي البيئة التي ترعرعت فيها تلك الزهرة، العطرة، الطاهرة، مريم التي كرمها وشرفها الحبيب المصطفى، والله الذي لا إله غيره ما كرَّم مريم ولا عيسى منهج على ظهر الأرض بمثل ما كرمهما منهج الحبيب المصطفى محمد، ففي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران» [صحيح البخاري] (هذه شهادة من؟ لكي يعلم الجميع أن الإسلام دين العدل دين الإنصاف ودين الحق ولا يبخس أحداً حقه أبداً بالحق والقسطاس المستقيم) يقول الحبيب: «ولم يكمل من النساء إلا : مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» [رواه البخاري].

أرجو الله أن ييسر لي ولكم محاضرة عن هذا الحديث، لنقضي ليلة ممتعة كريمة مع هذه المثل العليا والقدوات الطيبة لعل الأخت المسلمة ترنو ببصرها من جديد إلى هذه القمم الشمَّاء في وقت قُدِمَ فيه الفارغون والتافهون وقُدِمن التافهات ليكُنَّ القدوة والمثال.

وراعي الشاة يحمي الذئب عنها *** فكيف إذا الرعاة لها الذئاب

نظر يوسف النجار إلى بوادر الحمل على مريم، وأقول بداية يا أخوة إن ما عليه جمهور المحققين من المفسرين أن مريم عليها السلام حملت بعيسى على نبينا وعليه الصلاة السلام تسعة أشهر كاملة، وإن كنا نعتقد أن الله عز وجل كان قادرا ولا زال على أن يخلق عيسى في بطن مريم في دقيقة واحدة وأن تضعه في دقيقة واحدة، بل في أقل من ذلك، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ولكن الله تبارك وتعالى جعل مريم تحمل بعيسى حملاً عادياً، فلما نظر يوسف النجار إلى بطن مريم قال لها: “يا مريم هل يكون ولد بغير أب؟” انظر إلى هذا التلميح الذكي لا يُصَرِّح لأنه يعلم أنها العابده، قال يوسف: “يا مريم هل يكون ولد بغير أب؟ وهل يكون زرع بغير بذر؟، وهل يكون نبات بغير مطر؟”، فقالت مريم: “نعم يا يوسف”، قال: “كيف ذلك يا مريم؟” قالت: “يا يوسف أنسيت أن الله خلق آدم يوم خلقه من غير أم ومن غير أب، وخلق الزرع يوم خلقه من غير حب ولا بذر، وخلق النبات يوم خلقه من غير ماء أو مطر، قال أعلم أن الله على كل شئ قدير”، {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 259-260]

قل للطبيب تخطفتــه يد الـــردا يا زاعمــــا شفــــا الأمـــراض من أرداكـــــــــا
قل للمـــريض نجـــا وعوفــي بعدمــا عجـــزت فنــون الطــــب من عافاكــــــا
قل للصحيــــح مـــات لا من علــــة من يــــا صحيـــــح بالمنايــــــا دهاكـــــــــا
بـل سائـل الأعمى خطا وسط الزحـام بلا اصطدام من يا أعمى يقود خطاكـــــا
بـل سائــل البصيــر كان يحـــذر حفــــرة فهــوى بهــا من ذا الــذي أهواكــــــا
وسـل الجنيـــن يعيـــش معــزولاً بـــلا راعٍ ومرعـــى من ذا الــذي يرعاكـــــا
وإذا تــــرى الثعبــان ينفـث سمــه فسلــه من يـا ثعبــان بالسمـــوم حشاكــــا
واسألـــه كيـــف تعيـــش يا ثعبـــان أو تحيـــا وهـذا الســــم يمــــلأُ فـاكـــــــا
واسـأل بطـــون النحـــل كيـــف تقاطـــرت شهــداً وقل للشهــــد من حلاّكـــــا
بـل سائـــل اللبــن المصفـــى من بيــن فـــــرث ودمٍ من ذا الـــذي صفّاكــــــا


الله ربي لا أريـد ســواه هل في الوجود حقيقة إلا هو
الشـمس والبــدر من أنوار حكمته والبر والبـحر فيض من عطايـــاه
الطيـر سـبحـه والوحــش مجــده والمـــوج كبــره والحـــوت ناجــــاه
والنمـل تحت الصخـور الصمِّ قدسـه والنحـل يهتف حمـداً في خلايــاه
والنـاس يعصـونه جهـراً فيسـترهم والعبد ينسى وربـي ليس ينسـاه

وأخيراً: السبيل الوحيد إلى جنة الله عز وجل

{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 72]، {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: 73].

أيها الأحبة هو ما حدده المصطفى في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قالمن قال: « أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق ، وأن النار حق، أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء». [صحيح مسلم]، وفي رواية عتمان بن مالك: «إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقا من قلبه إلا حرم على النار»، هذا هو الطريق، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده, لا يسمع بي أحد من هذه الأمة: يهودي أو نصراني, ثم يموت ولا يؤمن بالذي أرسلت به, إلا كان من أصحاب النار» [صحيح مسلم].

ونحن نعتقد اعتقادًا جازمًا، أن عيسى لم يُصلب، بل ألقى الله شبه عيسى على المجرم اليهودي “يهوذا الإسخريوطي” الذي دل اليهود على عيسى ليقتلوه، فألقى الله شبه عيسى عليه فقُتل هو من باب الجزاء العدل من جنس العمل، ورفعه الله إليه وفي لفظ {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي} [المائدة: 117]، قال جمهور المفسرين فلما ألقيت عليّ الوفاة الصغرى وهي النوم، النوم وفاة صغرى، حينما تنام تفارق الحياة بكل مظاهرها وتبقى أجهزتك أنت تعمل بأمر الملك، فالنوم وفاة صغرى، توفاه الله عز وجل، ألقى عليه الوفاة الصغرى ورفعه إليه والتقى به المصطفي في السماء الثانية مع ابن خالته يحي عليهما السلام، ويوم القيامة من علامات الساعة الكبرى يُنَّزل الله عيسى ليحكم العالم من جديد بشريعة محمد بن عبد الله، سبحان الله! أول ما سينزل عيسى سينزل وإمام المسلمين يصلي بهم فريضة من الفرائض، فبمجرد ما إمام المسلمين الذي يصلي يرى عيسى يعرفه فيريد إمام المسلمين أن يتأخر ليتقدم نبي الله عيسى فيأبى عيسى ويقول لا بل إمامكم منكم يا أمة محمد، ويصلي عيسى مؤتماً خلف إمام من أمة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، اسمع لحديث رسول الله والحديث رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال الحبيب: «والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا ، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد» [صحيح البخاري]، والله ما رأى عيسى صليباً قط أبداً، قصة الصليب ظهرت بعد رفع عيسى بثلاثمائة وثمانية وعشرون سنة، ما رآه قط – فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية – يضع الجزية يعني لا يقبل الجزية من أحد إما أن توحد الله وأن تؤمن برسول الله محمد وإلا تقتل – ويضع الجزية ويفيض المال -البركة تنزل الأرض مرة ثانية، بالعدل، والله ما نزعت البركة من الأرض إلا بظلم أهلها ولن تعود البركة إلى الأرض إلا بعدل أهلها.

ثبت في الزوائد، “زوائد الإمام عبد الله بن الإمام أحمد، أنهم وجدوا حبة قمح، حنطة، بمقدار نواة التمرة”، (انظر حجم حبة القمح الآن ترى بالميكروسكوب من صغرها) وكانت في هذا الزمان كنواة التمرة (نواة البلحة) وكُتب عليها في صندوق، هذا كان ينبت في الأرض يوم أن كانت الأرض مليئة بالبركة، لكن لما نزعت البركة من الوقت ومن العمر ومن كل شيء هكذا نرى الضنك الذي قال الله عنه {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 124].

«ويفيض المال وحتى تكون السجدة خير من الدنيا وما فيها» [صحيح البخاري]، السجدة الواحدة لله تكون خير من الدنيا وما فيها، يقول أبو هريرة راوي الحديث اقرءوا إن شئتم قول الله تعالى {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء: 159].

أيها الأحبة وأخيراً أُبرأ عيسى ببراءة الله عز وجل له في آخر سورة المائدة قال الله سبحانه {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [المائدة: 116-119].

وأقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم و صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا اللهم استر لنا عيوبنا اللهم آمن لنا روعاتنا اللهم فرج كروبنا واكشف همومنا وأزل غمومنا، اللهم رد البشرية الضالة إليك ردا جميلا اللهم رد البشرية الضالة إليك ردا جميلا، اللهم خذ بنواصينا إليك يا رب العالمين اللهم كما خلقتنا موحدين فتوفنا على التوحيد واحشرنا في زمرة الموحدين تحت لواء قدوة المحققين وسيد النبيين برحمتك يا أرحم الرحمين.

اللهم استرنا ولا تفضحنا وأكرمنا ولا تهنا وكن لنا ولا تكن علينا اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين خيراً فوفقه لكل خير ومن أراد بالإسلام والمسلمين سوءاً فاجعل تدبيره تدميره ودمره كما دمرت عاداً وثمود برحمتك يا أرحم الرحمين، اللهم انصر المجاهدين في كل مكان اللهم اقر أعيننا بنصرة الإسلام وعز المؤمنين واشف صدور قوم مؤمنين برحمتك يا أرحم الرحمين، اللهم اجعل مصر واحة للأمن والأمان اللهم لا تحرم مصر من الأمن والأمان، اللهم لا تحرم مصر من الرخاء والاستقرار، اللهم لا تحرم مصر من الرخاء والاستقرار اللهم اجعل مصر سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين اللهم ارفع عن مصر الغلاء والوباء والبلاء وارفع عنها الفتن ما ظهر منها وما بطن اللهم احفظ مصر بالتوحيد للموحدين برحمتك يا أرحم الرحمين.

هذا، وما كان من توفيق فمن الله ومن كان من خطا أو من سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

تفريغ فريق عمل أخوات طريق الإسلام