ما هو سبب تحريم لحم الخنزير ؟

الحمد لله
الأصل في المسلم أنه يطيع الله فيما أمر ، وينتهي عما نهى عنه ، سواء أظهرت حكمته سبحانه في ذلك أم لم تظهر .
والمسلم لا يجوز له رفض حكم الشريعة ولا التوقف في تنفيذه إذا لم تظهر له حكمته ؛ ، بل عليه قبول الحكم الشرعي في التحليل والتحريم متى ثبت النص ؛ سواء أفهم الحكمة في ذلك أم لم يفهمها . قال تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً ) الأحزاب/36 , وقال : ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) النور/51 .
ولحم الخنزير قد حُرِّم في الإسلام بنص القرآن ، وهو قول الله تعالى : ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ ) البقرة/173 , ولا يُباح لمسلم تناوله بحال من الأحوال إلا في حالة الضرورة التي تتوقف فيها حياة الشخص على تناوله ، كما لو كان في جوع شديد يخشى على نفسه منه الهلاك ، ولا يجد طعامًا سواه ؛ وفقًا للقاعدة الشرعية : ” الضرورات تبيح المحظورات ” .
ولم يرد في النصوص الشرعية تعليلٌ خاص لتحريم لحم الخنزير سوى قوله تعالى : ( فَإِنَّهُ رِجْس ) ، والرجس يطلق على ما يستقبح في الشرع ، وفي نظر الفطر السليمة ، وهذا التعليل وحده كاف ، وورد تعليل عام وهو الذي ورد في تحريم المحرمات من المآكل والمشارب ونحوهما وهو يرشد إلى حكمة التحريم في الخنزير ، وذلك التعليل العام هو قول الله تعالى : ( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ) الأعراف/157 ، فهذا يشمل بعمومه تعليل تحريم لحم الخنزير ، ويفيد أنه معدود في نظر الشريعة الإسلامية من جملة الخبائث .
والخبائث في هذا المقام يراد بها ما فيه ضرر لحياة الإنسان في صحته أو في ماله أو في أخلاقه ، فكل ما تكون مغبته وعواقبه وخيمة من أحد النواحي الهامة في حياة الإنسان : دَخَل في عموم الخبائث .
وقد أثبتت الأبحاث العلمية والطبية أن الخنزير من بين سائر الحيوانات يُعَدّ مستودَعاً للجراثيم الضارة بجسم الإنسان ، وتفصيل هذه المضار والأمراض طويل ، وهي باختصار :
الأمراض الطفيلية ، الأمراض البكتيرية ، الأمراض الفيروسية ، الأمراض الجرثومية ، وغيرها .
وهذه الأضرار وغيرها دليل على أن الشارع الحكيم ما حرَّم تناول لحم الخنزير إلا لحكمة جليلة ، هي الحفاظ على النفس ، التي يُعَدُّ الحفاظ عليها أحَدَ الضروريات الخمس في الشريعة الغراء .

نصراني يسأل عن سبب تحريم لحم الخنزير

لماذا يحرم الإسلام الخنزير ، مع أنه مخلوق من مخلوقات الله ؟ ولماذا خلق الله الخنزير إذاً ؟!.

الحمد لله
أولا :

لقد حرم ربنا جل وعلا أكل الخنزير تحريما قطعيا ، قال تعالى : ( قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ) الأنعام/145
ومن رحمة الله تعالى بنا ، وتيسيره علينا ، أنه أباح لنا أكل الطيبات ، ولم يحرم علينا إلا الخبائث ، قال تعالى : ( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ) الأعراف/157
فنحن لا نشك لحظة أن الخنزير حيوان خبيث قذر ، فإن أكله مضر بالإنسان ، ثم هو يعيش على الأوساخ والقاذورات ، وهو ما تأباه النفس السوية وتعافه وترفض تناوله ، لما فيه من إخلال بطبع الإنسان ومزاجه السوي الذي خلقه الله عز وجل فيه .

ثانيا :

وأما أضرار أكل الخنزير على جسم الإنسان ، فقد أثبت الطب الحديث جملة منها :
• يعد لحم الخنزير من أكثر أنواع اللحوم الحيوانية التي تحتوي مادة الكوليسترول الدهنية ، والتي تقترن زيادتها في دم الإنسان بزيادة فرص الإصابة بتصلب الشرايين. كما أن تركيب الأحماض الدهنية في لحم الخنزير تركيب شاذ غريب يختلف عن تركيب الأحماض الدهنية في الأغذية الأخرى، مما يجعل امتصاصها أسهل بكثير من غيرها في الأغذية الأخرى وبالتالي زيادة كوليسترول الدم .
• يساهم لحم الخنزير ودهنه في انتشار سرطان القولون والمستقيم والبروستاتا والثدي والدم .
• يسبب لحم الخنزير ودهنه الإصابة بالسمنة وأمراضها التي يصعب معالجتها.
• يسبب تناول لحم الخنزير الحكة والحساسية وقرحة المعدة.
• يسبب تناول لحم الخنزير الإصابة بالتهابات الرئة والناتجة عن الدودة الشريطية ودودة الرئة والتهابات الرئة الميكروبية.

وتتمثل أهم مخاطر تناول لحم الخنزير في احتواء لحم الخنزير على الدودة الشريطية وتسمى تينياسوليم التي يصل طولها إلى 2-3 متر. ويؤدي نمو بويضات هذه الدودة في جسم الإنسان فيما بعد إلى الإصابة بالجنون والهستيريا في حال نمو هذه البويضات في منطقة الدماغ ، وإذا ما نمت في منطقة القلب فإنها تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وحدوث نوبات قلبية ، ومن أنواع الديدان الأخرى التي تتواجد في لحم الخنزير دودة التريكانيلا الشعرية الحلزونية المقاومة للطبخ والتي قد يؤدي نموها في الجسم إلى الإصابة بالشلل والطفح الجلدي .

ويؤكد الأطباء أن أمراض الديدان الشريطية تعتبر من الأمراض الخطيرة التي تنجم عن تناول لحم الخنزير، وتتطور في الأمعاء الدقيقة عند الإنسان، وتنضج خلال شهور عدة لتصل إلى دودة بالغة، يتألف جسمها من حوالي ألف قطعة، ويصل طولها إلى ما بين 4 – 10 أمتار، وتعيش وحيدة في أمعاء الإنسان المصاب وتخرج بيضها مع البراز. وعندما تبتلع الخنازير البيض وتهضمه، يدخل إلى الأنسجة والعضلات مشكّلاً الكيسة المذنبة أو اليرقة، وهي كيس يحتوي على سائل وعلى رأس الدودة الشريطية. وعند تناول لحم الخنزير المصاب تتحول اليرقة إلى دودة كاملة في أمعاء الإنسان، وتسبب هذه الديدان ضعف الإنسان، ونقص فيتامين (ب12)، الذي يسبب نوعاً خاصاً من فقر الدم، وقد يسبب حدوث أعراض عصبية مثل التهاب الأعصاب، وقد تصل اليرقات في بعض الحالات إلى الدماغ مسببة حدوث الاختلاج، أو ارتفاع الضغط داخل الدماغ، وما يتلوه من صداع، واختلاج ، أو حتى حدوث الشلل .

ويسبب تناول لحم الخنزير غير المطبوخ جيداً أيضا الإصابة بالديدان الشعرينية ، وعندما تصل هذه الطفيليات إلى الأمعاء الدقيقة تخرج يرقات كثيرة بعد 4 إلى 5 أيام لتدخل إلى جدار الأمعاء ، وتصل إلى الدم ومنه إلى معظم أنسجة الجسم، وتمر اليرقات إلى العضلات وتشكل كيسات هناك. ويعاني المريض من آلام عضلية شديدة، وقد يتطور المرض إلى حدوث التهاب السحايا، والدماغ ، والتهاب عضلة القلب والرئة، والكليتين، والأعصاب ، وقد يكون المرض مميتاً في حالات قليلة .
ومن المعروف أن هناك أيضا بعض الأمراض الخاصة بالبشر ، لا يشاركهم فيها من الحيوانات إلا الخنزير، ومن ذلك الروماتيزم، وآلام المفاصل، وصدق الله العظيم إذ يقول : “إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم” البقرة/173 .
فهذه بعض أضرار أكل الخنزير ، ولعلك بعد الوقوف عليها لا تستريب في تحريمه ، وإننا لنأمل أن يكون ذلك الخطوة الأولى لهدايتك إلى الدين الحق ، فلتقف ، ولتبحث ، ولتنظر ، ولتتأمل ، بعدل وإنصاف وتجرد لمعرفة الحق واتباعه واسأل الله تتعالى أن يهديك لما فيه خير لك في الدنيا والآخرة .
على أننا لو لم نعلم في أكل الخنزير مضرة ولا أذى ، فهذا لا يغير من إيماننا بتحريمه شيئا ، ولا يضعف من تركنا له ، ولتعلم أن آدم عليه السلام إنما أخرج من الجنة لأجل أكلة أكلها من الشجرة التي نهاه الله عنها ، وما علمنا عن تلك الشجرة شيئا ، ولا كان آدم في حاجة إلى أن يبحث في سبب تحريم الأكل منها ، بل كان يكفيه ، كما هو يكفينا ويكفي كل مؤمن ، أن يعلم أن الله حرم هذا .
وانظر حول بعض الأضرار المترتبة على أكل لحم الخنزير : أبحاث المؤتمر العالمي الرابع عن الطب الإسلامي ، ط الكويت [ 731 وما بعدها ] ، وأيضا : الوقاية الصحية في ضوء الكتاب والسنة ، لؤلؤة بنت صالح [ 635 وما بعدها ] .
على أننا نعود فنسألك أنت أيها السائل :
أليس الخنزير محرما في العهد القديم الذي هو شطر كتابكم المقدس :
{ لا تأكل رجسا ما ؛ هذه البهائم التي تأكلونها … والخنزير لأنه يشق الظلف ، لكنه لا يجتر ، فهو نجس لكم ، فمن لحمها لا تأكلوا ، وجثثها لا تلمسوا } [ سفر التثنية 14/3-8 ونحوه في سفر اللاويين 11/1-8 ] .
وتحريم الخنزير على اليهود لا يحتاج إلى أن ننقل دليلا عليه ، فإن كنت في شك ، فاسأل القوم يخبروك لكن الذي نظن أننا نحتاج إلى تنبيهك عليه هو بعض ما جاء في كتابكم المقدس أيضا ، لكن في عهده الجديد الذي يقول لكم إن أحكام التوراة ثابتة في حقكم ، لا يمكن أن تتغير ؛ أليس فيها أن المسيح قال :
{ لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس ، أو الأنبياء ، ما جئت لأنقض ، بل لأكمل ؛ فإني الحقَّ أقول لكم : إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف أو نقطة واحدة من الناموس ، حتى يكون الكل } [ متى 5/17-18 ]
ومع أننا لا نحتاج مع هذا النص إلى أن نبحث عن حكم آخر للخنزير في العهد الجديد ، فإننا نزيدك هنا نصا آخر قاطعا في نجاسة الخنزير وخبثه :
{ وكان هناك عند الجبال قطيع كبير من الخنازير يرعى . فطلب إليه كلُّ الشياطين قائلين : أرسلنا إلى الخنازير لندخل فيها . فأذن لهم يسوع للوقت ، فخرجت الأرواح النجسة ، ودخلت في الخنازير } [ إنجيل مرقس 5/11-13 ] وانظر نصوصا أخرى في استقذار الخنازير ، واحتقار من يقوم برعيها [ متى 67 ، رسالة بطرس الرسول الثانية 2/22لوقا 15/11-15 ]
فلعلك تقول هذا نسخ ، فقد قال بطرس ، أو قال بولس ؟!!
وهكذا يبدل كلام الله ، وتنسخ التوراة ، وينسخ كلام المسيح الذي أكد لكم أنه ثابت ثبوت السماء والأرض ، يبدل كل هذا وينسخ بكلام بولس أو بطرس ؟!
فلنفرض أنه صادق ، وأن تحريمه قد نسخ حقيقة ، فما تنكرون أن يكون حراما في الإسلام كما كان عندكم أول مرة ؟!

ثالثا :

وأما قولك :إذا كان أكله محرما ، فلماذا خلق الله الخنزير إذاً ، فلا نحسبك جادا فيه ، وإلا فإننا نسألك لماذا خلق الله كذا وكذا من الأشياء المؤذية ، أو المستقذرة ، بل نسألك لماذا خلق الله الشيطان ؟!
أليس من حق الخالق أن يأمر عباده بما يشاء ، ويحكم فيهم بما يريد ، لا معقب لحكمه سبحانه ، ولا مبدل لكلماته ؟
أليس من واجب المخلوق العابد أن يقول لربه ، كلما أمره بشيء : سمعنا وأطعنا ؟
( قد يلذ لك مذاقه ، ويستهويك أكله ، ويتمتع به من حولك ، لكن ألا تستحق الجنة منك أن تضحي ببعض ما تشتهيه نفسك ؟ ).

لبس قفازات من جلد الخنزير

جلد الخنزير نجس ولا يطهر بالدباغ .
ومجرد لمس النجاسة لا ينجّس البدن إلا مع وجود الرطوبة في النجاسة أو في البدن .
قال الشيخ ابن جبرين :
لا يضر لمس النجاسة اليابسة بالبدن والثوب اليابس . . . لأن النجاسة إنما تتعدى مع رطوبتها اهـ فتاوى إسلامية (1/194) .
وعلى هذا لا تتنجس اليد بمجرد لبس هذه القفازات المصنوعة من جلد الخنزير ، إلا إذا كانت اليد أو القفاز عليه بلل من الماء .
وإذا حصل التنجس بلمس جلد الخنزير – مع وجود البلل – لزم غسل اليد ، ويكفي في ذلك غسلة واحدة لأنه لم يرد الأمر بغسل النجاسة سبع مرات إحداهن بالتراب إلا في نجاسة الكلب .
وذهب بعض العلماء إلى قياس الخنزير على الكلب ، فأوجبوا غسل نجاسته سبع مرات إحداهن بالتراب .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ( وهذا قياس ضعيف ؛ لأن الخنزير مذكور في القرآن ، وموجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يرد إلحاقه بالكلب ، فالصحيح أن نجاسته كنجاسة غيره ، لا يغسل سبع مرات إحداها بالتراب ) الشرح الممتع 1/356
وينبغي على المسلم أن يحرص على طهارة بدنه وثيابه ، ويجتنب لبس هذه القفازات المصنوعة من جلد الخنزير ، لما في ذلك من مباشرة النجاسة ، وتعريض يده وثيابه للتنجس مما قد يؤثر على صحة صلاته ، إلا إذا احتاج إلى لبس هذه القفازات كما لو لم يجد غيرها فيجوز له لبسها مع الاحتياط من تنجيسها لبدنه وثيابه ، والمبادرة إلى غسل النجاسة إن حصلت حتى لا تتعدى إلى موضع آخر أو ينسى غسلها أو موضعها من ثيابه .
وسيجد من الجلود الطاهرة ما يغنيه عن هذه النجسة ، نسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى والله تعالى أعلم .

حكم استعمال الأغذية التي تحتوي على مواد خنزيرية وكيفية التصرف حيالها

المواد الخنزيرية : أريد أن أسألكم عن المنتجات التي تباع ولا نعلم على ماذا تحتوي ، فقد تحتوي على محرَّم ، وقد قرأت على الإنترنت أن المنتجات التي تحمل الرموز التالية هي التي تحتوي على محرم : E100 , E110 , E120 , E140 , E141 , E153 , E210 , E213 , E214 , E216 , E234 , E252 , E270 , E280 , E325 , E326 , E327 , E334 , E335 , E336 , E337 , E422 , E430 , E431 , E432 , E433 , E434 , E435 , E436 , E440 , E470 , E471 , E472 , E473 , E474 , E475 , E476 , E477 , E478 , E481 , E482 , E483 , E492 , E493 , E494 , E495 , E542 , E570 , E570 , E572 , E631 , E635 , E904 (risque de le contenir E104-E122-E141-E150-E153-E171-E173-E180-E240-E214-E477-E151 . ( حصلت عليها من خلال فتوى على موقع www.islamweb.net ) ، وفي موقع www.islamonline.net ما يلي : ” هذه الأرقام وبتقريرات علمية من أهل اختصاص مسلمين : أنها لمواد تمت استحالتها نهائيّاً ، ولا يصدق عليها التسمية الأصلية ؛ لأنها بهذه الاستحالة الكيميائية أو الطبيعية أصبحت مادة أخرى لا حرج في تناولها بفقدانها خواصها الأصلية ، ومعلوم لدى أهل العلم أن الاستحالة تبيح المادة المحرمة ، ومثال ذلك كما قال الإمام ابن تيمية : إذا سقط خنزير أو كلب في مملحة وتآكل واستحال تحت فعل الملح وتحلل فيه حتى فقد خواصه الأصلية : حلَّ استعمال الملح ، هذه القاعدة كانت معروفة لدى علماء السلف الصالح ، ولم يتحرجوا يوماً باستعمال الاستحالة كطريقة تبيح بعض المواد المحرمة فيما لو بقيت على أصلها ، أما ما يحرم فهو ما يشير إلى المواد الدسمة من الشحوم ولحم الخنزير وغيره ؛ لأن الدسومات لا تتغير غالباً لا بالتسخين ، ولا بالغليان ، فإذا كان مكتوباً على العلبة مثلاً مواد دسمة من الخنزير أو الحيوانات : فهنا لا يجوز تناولها إطلاقا للسبب الذي ذكرته . ” ١. هل عليَّ أن أبحث في كل المنتجات التي أشتري ؟ كيف نعرف المواد التي تحتوي على محرم ؟ إذا قلتم باستعمال هذه الرموز : فما هي هذه الرموز ؟ إذا قلتم بالمواد التي تتكون منها هذه المواد فهناك بعض المواد غير مفهومة ، وبعض المنتجات لا تكتب عليها ؟ . ٢. هل صحيح أنه إذا كانت الكمية قليلة فإنه يجوز أكلها ؟ إذا جهلنا عن المقدار الموجود فهل يجوز أكلها ؟ . ٣. ما هو قولكم عمن يقول إن الدجاج الرومي يلقحونه بمواد خنزيرية ؟ . ٤. هل عليَّ ذنب إذا أكلت منتجاً وجدت فيه مادة قد تستخرج من الخنزير ( شككت ) ؟ هل عليَّ ذنب إذا أكلت منتجاً وجدت فيه بعد أن أكلت أحد الرموز التي تدل على مادة خنزيرية في الأول شككت ؟ . أعتذر عن الإطالة ، وجزاكم الله كل خير .

الحمد لله
أولاً :

مما يتميز به المسلم عن غيره أنه يراعي الأحكام الشرعية المتعلقة بحياته ، ومن ذلك : كسبه ، وطعامه ، وشرابه ، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أهمية حل الطعام للمسلم في دنياه وأخراه ، فبيَّن أن أكل الحرام سبب لعدم استجابة الدعاء ، وأما في الآخرة : فإنه قد ورد الوعيد الشديد لمن نبت جسده بالحرام .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ) رواه الطبراني ، وصححه الشيخ الألباني في ” صحيح الجامع ” (4519) .
فليحذر المسلم من أن يأكل ما لا يحل له أكله ، وليحرص على الطعام الحلال ، ولو بذل له ثمناً أعلى من غيره ، ولو بذل الجهد المضاعف لتحصيله .

ثانياً :

الخنزير محرَّم نجس ، لا يحل أكل لحمه ، ولا شحمه ، ولا يحل قليله ، ولا جزء منه ، فإذا وجدت بعض أجزاء من لحمه أو شحمه في خبز ، أو طعام ، أو دواء : حرم تناول ذلك كله .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
“إذا تأكد المسلم ، أو غلب على ظنِّه أن لحم الخنزير ، أو شحمه ، أو مسحوق عظمه دخل منه شيء في طعام ، أو دواء ، أو معجون أسنان ، أو نحو ذلك : فلا يجوز له أكله ، ولا شربه ، ولا الادهان به ، وما يشك فيه فإنه يدعه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)” انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
“فتاوى اللجنة الدائمة” (22/281) .

ثالثاً :

هل يجب على المسلم السؤال والتحري قبل تناول المنتجات التي يشك بوجود شيء محرَّم فيها؟
سبق في كلام علماء اللجنة الدائمة قولهم : “وما يشك فيه فإنه يدعه” ، وفي موضع آخر – (22/285) – قالوا : “يستفصل لوجوب الحرز من أكل الحرام” .
وهذا هو الواجب حيث كان البلد المصنِّع لتلك الأطعمة والأشربة لا يمانع من استعمال المصانع لأجزاء الخنزير ، فمثل هؤلاء يكثر في بلادهم بقايا الخنزير من الشحوم فيستعملونه في أشياء كثيرة من المطعومات والمشروبات والأدوية والمعاجين وغيرها .
وحيث كان البلد المصنِّع إسلاميّاً يمنع استعمال لحم الخنزير وأجزائه : فلا يجب على المسلم البحث والتحري والسؤال والاستفسار عن المنتج المباح في ذاته ؛ لاستبعاد وجود مثل تلك المحرمات فيها .
وبحسب البلاد المنتجة والمصنعة يكون جواب أهل العلم في التحري وعدمه ، ومن التحري : سؤال أهل العلم والخبرة بالتركيبات الكيماوية والمواد العضوية ، ومن التحري : قراءة المحتويات المكتوبة على الأطعمة ، وهي كافية للتأكد ، حتى لو كانت من بلاد كافرة ؛ لأن مثل هذه الكتابات تراعى خوفاً من القوانين ، والغرامات ، وهم عبدة أموال فلا يورطون أنفسهم بالكذب – غالباً – ، وما يجده عليها من رموز وأسماء مواد لا يفهم معناها : فليسأل عنها من هو أهل لذلك ، والعلم متوفر الآن بطرق كثيرة ، فمن اطمأن لهم من هذا الجانب ووثق بكتابتهم : فليكتف بقراءة قائمة المحتويات ، وإلا فيلزمه التأكد أكثر ، أو الاجتناب الكلي ، وهو الأسلم له .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
هل تجب قراءة قائمة المحتويات المكتوبة على الأطعمة ؛ للتأكد من عدم وجود المنتجات خنزيرية أو كحولية ؟ .
فأجابوا :
“نعم ، يجب ذلك” انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي .
“فتاوى اللجنة الدائمة” (22/285) .

رابعاً :

كل ما سبق ذِكره هو في حال وجود لحم الخنزير أو شحمه قليلا كان أو كثيراً في الأطعمة أو الأشربة أو الأدوية ، فهل إذا صنِّعت تلك اللحوم والشحوم بما أحالها عن هيئتها يرفع عنها التحريم ، أو تظل محرَّمة واجبة الاجتناب ؟ .
اختلف في ذلك أهل العلم ، فرأى علماء اللجنة الدائمة للإفتاء أن التصنيع لا يرفع التحريم ، ولا يغيِّر من الحكم شيئاً ، وخالف في ذلك آخرون فرأوا – كـ ” المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية ” – حل الأعيان المحرَّمة النجسة إذا استحالت إلى شيء آخر يرفع نجاستها واسمها ، وهو يوافق ما رجحه ابن القيم رحمه الله (وهو الذي نراه راجحاً) ، وقد نقلنا كلا القولين في جواب السؤال رقم : (97541) .
ونضيف هنا : أن هذا هو – أيضاً – ترجيح ” هيئة كبار العلماء ” في المملكة العربية السعودية ، ففي كتابهم ” البحوث العلمية ” ( 3 / 467 ) قالوا :
“ونظير ذلك : طهارة ما سمِّد من الأشجار ، والزروع بالنجاسات ، وحل ثمارها بسبب الاستحالة ، ونظيره أيضاً : طهارة ما تخلل بنفسه من الخمر ، وحل الائتدام به ، وبيعه ، وشرائه ، وغيرها من أنواع الانتفاع ، بعد أن كان خمراً محرَّماً شربُها ، وبيعها ، وشراؤها ، وذلك بسبب الاستحالة” انتهى .

خامساً :

من أكل شيئاً من طعام محرَّم ، وهو لا يعلم عنه شيئاً : فالواجب تجنب ما بقي منه ، ولا يلزمه شيء فيما فات ، وليتحرَّ في المستقبل .
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
رجل أكل لحم خنزير وهو لا يعلم ، ثم جاء إليه رجل بعد أن انتهى من الأكل وقال له : بأنه لحم خنزير ، ولحم الخنزير كما نعلم محرم على المسلمين ، فماذا عليه أن يفعل ؟ .
فأجابوا :
“لا يلزمه شيء تجاه ذلك ، ولا حرج عليه ؛ لكونه لا يعلم أنه لحم خنزير ، وإنما يلزمه التحري ، والحذر في المستقبل” انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن قعود .
“فتاوى اللجنة الدائمة” (22/282، 283) .
والله أعلم