بعد حمدك الله وثنائك عليه بما لا يقل عن سبعة عشرة مرة في اليوم والليلة فإنّك تدعو في صلاتك قائلاً: {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} [سورة الفاتحة: 6]، ثم تحدد معالم هذا الصراط وتشترط فيه فتقول: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} [سورة الفاتحة: من الآية 7] أي الذي سار عليه النبيون والصديقون والصالحون، الصراط الذي نصبه الله تعالى وبين معالمه رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم تثني بوصف آخر تمايز فيه طرق وسبل أهل الضلالة والخسران فتقول: {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ} اليهود {وَلاَ الضَّالِّينَ} [سورة الفاتحة: من الآية 7] النصارى.

لقد دلت سورة الفاتحة التي يحفظها كل أميّ فضلاً عن كل مفكر وكاتب صحافي على أنّ مخالفة اليهود والنصارى في كل ما هو من خصائص دياناتهم وعباداتهم وعاداتهم التي أصبحت من شعائرهم الظاهرة أمر مقصود من الشارع الحكيم، ومصداق ذلك قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [سورة الجاثية: 18]، فالتزامنا الصراط المستقيم يقتضي شرعاً مخالفة أصحاب الجحيم.

ولذلك كان من هدي رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم مخالفة أهل الكتاب في أمور العادات والعبادات في أصلها ووصفها، فصلى في نعليه لأنّ اليهود لا يصلون بهما وأمر يتغيير الشيب وصبغه لأنّ أهل الكتاب لا يصبغون، ونهى عن اتخاذ المساجد على القبور مخالفة لأهل الكتاب وأمر بحف الشوارب وإعفاء اللحى مخالفة لهم ورغب بالسحور للصائم لأنّ أهل الكتاب لا يفعلون ذلك، ونهى عن قصد الصلاة دون سبب وقت شروق الشمس وعند غروبها لأنّه وقت سجود الكفار لها، حتى طفح الكيل عندهم وقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئاً من أمرنا إلاّ وخالفنا فيه! وقد نص أهل العلم على أنّ مخالفة أهل الكتاب لا تختلف عن مخالفة الشيطان فهو شيخ طريقتهم وإمام ملتهم.

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد خالف أهل الكتاب في (وصف العمل) حين يتفقون فيه مع المسلمين في (أصله) كصوم عاشوراء، حيث خالفهم فيه بالترغيب في صوم يوم قبله فماذا نقول عن أعياد وعبادات هم أحدثوها كعيد الميلاد والاحتفال برأس السنة الميلادية؟! لقد نص أهل العلم على أنّ موافقتهم في أعيادهم هذه وتهنئتهم بها وإرسال الهدايا لهم وقبولها منهم محرم شرعاً وهو نوع من الموالاة لهم والرضى باعتقادهم الباطل ودينهم المنسوخ القائم على الأساس الباطل: {إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} [سورة المائدة : من الآية 73]، ذلك القول الذي {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً} [سورة مريم: 90]، ووالله إنّ مجرد شهود هذه الأعياد محرم ومنكر عظيم لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [سورة الفرقان: من الآية 72]، قال جمهور المفسرين: “هي أعياد المشركين”. فكيف بالموافقة لهم وإرسال (التهاني القلبية الحارة)!!

وهذا رجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم نذر أن ينحر إبلاً بمكان يطلق عليه (بوانة) فقال له صلى الله عليه وسلم: «هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟». قال: لا، قال: «فهل كان فيها عيد من أعيادهم». قال: لا، فقال صلى الله عليه وسلم: «أوف بنذرك فإنّه لا وفاء لنذر في معصية الله». فدل هذا الحديث على أنّ الذبح والتقرب إلى الله في أماكن أعيادهم معصية وهذا مضمونه إبطال عيدهم وتحريمه، ولذلك منع الفاروق المسلمين من مشاركة المشركين في أعيادهم فقال: “لا تتعلموا رطانة الأعاجم ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم في يوم عيدهم فإنّ السخط تنزل عليهم”.

إنّنا نوجه هذا (التأصيل العقدي) إلى أصحاب الأقلام الذين ارتضعوا من ثدي العلمانية الناقصة وتربوا في حجرها فـ (قاءت) أقلامهم سما زعافا وكتبوا تعاطفا مع أحبابهم وإخوانهم النصارى استنكارا ـ كما زعموا ـ على أهل الشرع الذين يمنعون المشاركة في احتفالات أعياد النصارى في رأس السنة، وهم لا زالوا ـ من حيث يعلمون أو لا يعلمون ـ يضربون (بغباء مفرط) و(انهزامية ممجوجة) على وتر (التسامح الديني) فدافعوا دفاع المستميت عن ديانات الكفر ودعاة الضلالة ولم نقرأ لهم بالمقابل كلمة حق في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم حين تعرض له أحبابهم بالاستهزاء والانتقاص، أفهكذا يهون عليكم مقام النبوة فتكونون صما بكما عميا لا تبالون ثم تغارون بالمقابل زورا وبهتانا على المشركين النجس؟!

ها أنتم (تتسامحون وتتعاطفون) وهم (يشركون ويسبون) وها أنتم (تهنئون) وهم لا يزالون يقتلون ويبيدون، فمتى تعوون وتعقلون؟!

ولعل الحقيقة الغائبة عن أولئك القوم هي أنّ الأمر لا يقتصر على التهنئة والمشاركة بالأعياد والحفلات، بل إنّ الهدف أبعد من ذلك فإنّهم لن يرضوا منكم بشيء حتى تكونوا مثلهم وتتبعوا ملتهم وتدخلوا جحر الضب معهم كما قال تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}[سورة البقرة: من الآية 120]. وقال صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى ولو دخلوا جحر ضب لدخلتموه». قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: «فمن!!».

إنّ (التسامح) لا يعني مطلقا المداهنة والرضا بالباطل والكفر الصريح، فهناك حد فاصل بين التوحيد الشرك والإيمان والكفر، والولاء والبراء الحق والمداهنة على حساب العقيدة وأصول الدين، إنّ أولئك الكتاب بدعوتهم مشاركة النصارى بأعيادهم يحيون بدعة (زمالة الأديان) أو (نظرية الوحدة) تلك البدعة السيئة والفكرة المنكرة الخبيثة التي نادى بها جمال الدين الإيراني قديما فهدم بها أصل الولاء والبراء وأزال الحدود الفاصلة بين الإسلام وغيره من الملل والنحل حتى صار الكلام حول هذه الأصول عند كثير من المسلمين وللأسف تشددا وإرهابا فكريا، وهو في حقيقة الأمر (برودة في الدين) و(مضادة لشرع رب العالمين) فإلى الله المشتكى!